تقع في قلب موقع العلا التاريخي بالمملكة العربية السعودية، تمتد أرض تتراصف فيها المنحدرات الرملية التي تشكّلت عبر قرون، لتردّد بصمت شهادة تاريخية باقية من الماضي العريق. في هذا المشهد الأسطوري يرتفع “مارايا”، تحفة معمارية تبدو وكأنها خرجت من حلم. يحمل الاسم معنى “المرايا” بالعربية، وسرعان ما أصبح “مارايا” أيقونة معمارية عالمية بفضل كونه أكبر مبنى مرايا في العالم، مزوّدًا بـ 9,740 لوحة عاكسة تتلألأ على واجهته. لا يقف هذا الصرح المذهل بمعزل عن محيطه في وادي عشار؛ بل يندمج معه، يختفي ويظهر في ضوء الصحراء كسراب أثيري. مرايا لا تُجسّد فقط براعة التصميم، بل تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة، بين المعمار والذاكرة، بين الضوء والصمت.

لا يقتصر تصميم “مارايا” على الجمال البصري؛ بل يجسد في آنٍ واحد إرث العمارة العربية التقليدية والحضارة البيزنطية القديمة، مقدّمًا هيئة تجمع بين الحداثة والفخامة. تمنح واجهتها العاكسة حضورًا استثنائيًا، فيما يناغم نقاؤها البسيط المشهد الطبيعي الخالد للعُلا. إنها ليست مجرد انعكاس للضوء، بل انعكاس للزمن، للهوية، وللصمت الصحراوي الذي يتردّد في أرجاء المكان.

تُجسّد “مرايا” الطموح السعودي في مزج الإرث الثقافي بالابتكار المعماري المتقدّم، لتُكرّس العُلا كوجهة عالمية فريدة من نوعها. فهي ليست مجرد مبنى، بل كائن حي ينبض بتصميم رؤيوي يتماهى مع جمال الصحراء الخام، مقدّمًا تجربة غامرة ومبهرة في آنٍ واحد. ولمن يبحث عن الإلهام أو الدهشة، أو عن مكان خارج حدود الزمن، تفتح “مرايا” ذراعيها—أعجوبة عاكسة تعكس روح مشهدٍ أبدي.

حين تعلو الشمس في السماء، تلتقط “مرايا” كل تفاصيل الأخاديد الرملية المحيطة بها، عاكسة رقصة ساحرة من الضوء والظل لا يمكن تصديقها إلا عند مشاهدتها. وفي الداخل، تكشف نافذة مذهلة بارتفاع 26 مترًا من الأرض حتى السقف عن مناظر بانورامية لوادي عشار، موصلة بين المكان والطبيعة المحيطة بطريقة حسية. تقدّم هذه الرؤية تجربة فاخرة راقية في واحة الصحراء، حيث يمكن للزوار الانغماس في جمال الغروب الهادئ، بينما يكسو الضوء الذهبي المنحدرات الخالدة للمدينة القديمة.

بجوار هذه الأعجوبة المعمارية، يقع الموقع الأثري لحِجر، أول موقع سعودي يُدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، شاهدة على الأهمية التاريخية والثقافية للعُلا في نسيج الإرث الإنساني العابر للحدود. كانت الحِجر مدينة نابضة بالحياة ضمن مملكة الأنباط، الحضارة ذاتها التي شيّدت مدينة البتراء الأردنية، المعروفة بـ”مدينة العجائب”. وبين تضاريسها الساحرة، تحتضن الحِجر أكثر من مئة مدفن ضخم منحوت في منحدرات الحجر الرملي الوردي، تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. أما مدينة العُلا القديمة، فقد كانت لقرون مفترق طرق تجاري وثقافي مزدهر، تربط بين حضارات الشرق والغرب. واليوم، يُعاد إحياء هذا الإرث الغني برؤية جديدة وطموحة: تحويل العُلا إلى مركز ثقافي عالمي، تتصدّره مرايا كرمزٍ للابتكار والهوية.

اليوم، تُعدّ مرايا وجهة متعددة الاستخدامات على الطراز العالمي، حيث تتجسد الإنجازات الثقافية وتُقام الفعاليات التي لا تُنسى. توفر مساحات رحبة وملهمة، مثالية للحفلات الموسيقية والمؤتمرات والاحتفالات الفاخرة، مدعومة بمطبخين عصريين يقدّمان كل شيء، بدءًا من عشاء غالا راقٍ إلى استراحات قهوة مُنسّقة بعناية. ولمن يبحث عن تجربة طهوية تليق بجمال المكان، يستقبل مطعم Maraya Social زوّاره بقائمة موسمية من أطباق المشاركة، تحت إشراف الشيف العالمي جيسون أثيرتون، حيث تمتزج النكهات المتوسطية والعربية والبريطانية في تناغم فاخر. وفي هذه الأجواء، يمكن للضيوف الاستمتاع بالمأكولات الراقية والمشروبات المختارة، بينما تنعكس تشكيلات الصخور المهيبة لوادي عشار على واجهات مرايا، لتُضفي على التجربة بُعدًا بصريًا مهيبًا.

Privacy Preference Center